فصل: تفسير الآيات (12- 13):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (12- 13):

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)}
قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} قيل: خوفا من الصاعقة، طمعاً في نفع المطر. وقيل: الخوف للمسافر، يخاف منه الأذى والمشقة والطمع للمقيم يرجو منه البركة والمنفعة.
وقيل: الخوف من المطر في غير مكانه وإبَّانه، والطمع إذا كان في مكانه وإبَّانه، ومن البلدان ما إذا أمطروا وقحطوا وإذا لم يمطروا أخصبوا.
{وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} بالمطر. يقال: أنشأ الله السحابة فنشأت أي: أبداها فبدت، والسحاب جمع، واحدتها سحابة، قال علي رضي الله عنه: السحاب غربال الماء.
{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} أكثر المفسرين على أن الرعد اسم ملك يسوق السحاب، والصوت المسموع منه تسبيحه.
قال ابن عباس: من سمع صوت الرعد فقال: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير، فإن أصابته صاعقة فعليَّ ديته.
وعن عبد الله بن الزبير: أنه كان إذا سمع صوت الرعد ترك الحديث: وقال: سبحان من يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته، ويقول: إن هذا الوعيد لأهل الأرض شديد.
وفي بعض الأخبار: «يقول الله تعالى: لو أن عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل، ولأطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولم أسمعهم صوت الرعد».
وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: الرعد ملك موكل بالسحاب يصرفه إلى حيث يؤمر، وأن بحور الماء في نقرة إبهامه، وأنه يسبح الله تعالى، فإذا سبح لا يبقى مَلَكٌ في السماء إلا رفع صوته بالتسبيح فعندها ينزل القطر. {وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} أي: تسبح الملائكة من خيفة الله عز وجل وخشيته. وقيل: أراد بهؤلاء الملائكة أعوان الرعد، جعل الله تعالى له أعوانا، فهم خائفون خاضعون طائعون.
قوله تعالى: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ} جمع صاعقة، وهي: العذاب المهلك، ينزل من البرق فيحرق من يصيبه، {فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} كما أصاب أربد بن ربيعة. وقال محمد بن علي الباقر: الصاعقة تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب الذاكر.
{وَهُمْ يُجَادِلُونَ} يخاصمون، {فِي اللَّهِ} نزلت في شأن أربد بن ربيعة حيث قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ممَّ ربك أمن دُرٍّ أم من ياقوت أم من ذهب؟ فنزلت صاعقة من السماء فأحرقته.
وسئل الحسن عن قوله عز وجل: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ} الآية، قال: كان رجل من طواغيت العرب بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم نفراً يدعونه إلى الله ورسوله. فقال لهم: أخبروني عن رب محمد هذا الذي تدعونني إليه ممَّ هو؟ من ذهب أو فضة أو حديد أو نحاس؟ فاستعظم القوم مقالته فانصرفوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ما رأينا رجلا أكفر قلبا ولا أعتى على الله منه؟ فقال: ارجعوا إليه، فرجعواإليه فجعل لا يزيدهم على مثل مقالته الأولى، وقال: أجيب محمدا إلى رب لا أراه ولا أعرفه. فانصرفوا وقالوا: يا رسول الله ما زادنا على مقالته الأولى وأخبث.
فقال: ارجعوا إليه، فرجعوا، فبينما هم عنده ينازعونه ويدعونه، وهو يقول هذه المقالة إذ ارتفعت سحابة، فكانت فوق رؤوسهم، فرعدت وبرقت، ورمت بصاعقة، فاحترق الكافر، وهم جلوس، فجاؤوا يسعون ليخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستقبلهم قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا لهم:احترق صاحبكم.فقالوا:من أين علمتم فقالوا: أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ}.
{وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} قال علي رضي الله عنه: شديد الأخذ.
وقال ابن عباس: شديد الحول.
وقال الحسن: شديد الحقد.
وقال مجاهد: شديد القوة.
وقال أبو عبيدة: شديد العقوبة.
وقيل: شديد المكر.
والمِحال والمُمَاحلة: المماكرة والمغالبة.

.تفسير الآية رقم (14):

{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ (14)}
{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} أي: لله دعوة الصدق.
قال علي رضي الله عنه: دعوة الحق التوحيد.
وقال ابن عباس: شهادة أن لا إله إلا الله.
وقيل: الدعاء بالإخلاص، والدعاء الخالص لا يكون إلا لله عز وجل.
{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} أي: يعبدون الأصنام من دون الله تعالى. {لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} أي: لا يجيبونهم بشيء يريدونه من نفع أو دفع ضر، {إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} أي: إلا كباسط كفيه ليقبض على الماء والقابض على الماء لا يكون في يده شيء، ولا يبلغ إلى فيه منه شيء، كذلك الذي يدعو الأصنام، وهي لا تضر ولا تنفع، لا يكون بيده شيء.
وقيل: معناه كالرجل العطشان الذي يرى الماء من بعيد، فهو يشير بكفه إلى الماء، ويدعوه بلسانه، فلا يأتيه أبدا، هذا معنى قول مجاهد.
ومثله عن علي وعطاء: كالعطشان الجالس على شفير البئر، يمد يده إلى البئر فلا يبلغ قعر البئر إلى الماء، ولا يرتفع إليه الماء، فلا ينفعه بسط الكف إلى الماء ودعاؤه له، ولا هو يبلغ فاه، كذلك الذين يدعون الأصنام لا ينفعهم دعاؤها، وهي لا تقدر على شيء.
وعن ابن عباس: كالعطشان إذا بسط كفيه في الماء لا ينفعه ذلك ما لم يغرف بهما الماء، ولا يبلغ الماء فاه ما دام باسطا كفيه. وهو مثل ضربه لخيبة الكفار.
{وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ} أصنامهم، {إِلا فِي ضَلالٍ} يضل عنهم إذا احتاجوا إليه، كما قال: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأنعام- 24 وغيرها].
وقال الضحاك عن ابن عباس: وما دعاء الكافرين ربهم إلا في ضلال لأن أصواتهم محجوبة عن الله تعالى.

.تفسير الآية رقم (15):

{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (15)}
قوله عزّ وجل: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعًا} يعني: الملائكة والمؤمنين، {وَكَرْهًا} يعني: المنافقين والكافرين الذين أكرهوا على السجود بالسيف.
{وَظِلالُهُمْ} يعني: ظلال الساجدين طوعا وكرها تسجد لله عز وجل طوعا. قال مجاهد: ظل المؤمن يسجد طوعا وهو طائع، وظل الكافر يسجد طوعا وهو كاره.
{بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} يعني إذا سجد بالغدو أو العشي يسجد معه ظله. و{الآصال}: جمع الأصُل، والأصُل جمع الأصيل، وهو ما بين العصر إلى غروب الشمس.
وقوله: {لم تَسِقْهُ} من وسقت الشيء أسق وسقا: إذا حملته.
وقيل: ظلالهم أي: أشخاصُهم، بالغدو والآصال: بالبُكَرِ والعَشَايا. وقيل: سجود الظل تذليله لما أُريدَ له.

.تفسير الآية رقم (16):

{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)}
قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} أي: خالقُهما ومدبِّرهما فسيقولون الله لأنهم يقرُّون بأن الله خالقهم وخالق السموات والأرض، فإذا أجابوك فقل أنت أيضا يا محمد: {الله}. وروي أنه لما قال هذا للمشركين عطفوا عليه فقالوا: أجِِبْ أنت، فأمره الله عز وجل فقال: {قُلِ اللَّهُ}.
ثم قال الله لهم إلزاما للحجة: {قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} معناه: إنكم مع إقراركم بأن الله خالق السموات والأرض اتخذتم من دونه أولياء فعبدتموها من دون الله، يعني: الأصنام، وهم {لا يَمْلِكُونَ لأنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا} فكيف يملكون لكم؟
ثم ضرب لهم مثلا فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ} كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن، {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي} قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر {يستوي} بالياء، وقرأ الآخرون بالتاء لأنه لا حائل بين الاسم والفعل المؤنث. {الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} أي: كما لا يستوي الظلمات والنور لا يستوي الكفر والإيمان.
{أَمْ جَعَلُوا} أي: جعلوا، {شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} أي: اشتبه ما خلقوه بما خلقه الله تعالى فلا يدرون ما خلق الله وما خلق آلهتهم.
{قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} ثم ضرب الله تعالى مثلين للحق والباطل، فقال عز وجل:

.تفسير الآية رقم (17):

{أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ (17)}
{أَنْزَلَ} يعني: الله عز وجل، {مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} يعني: المطر، {فَسَالَتْ} من ذلك الماء، {أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} أي: في الصغر والكبر، {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ} الذي حدث من ذلك الماء، {زَبَدًا رَابِيًا} الزَّبَد: الخَبَثُ الذي يظهر على وجه الماء، وكذلك على وجه القِدْر، {رابياً} أي عالياً مرتفعاً فوق الماء، فالماء الصافي الباقي هو الحق، والذاهب الزائل الذي يتعلق بالأشجار وجوانب الأودية هو الباطل.
وقيل: قوله: {أنزل من السماء ماء}: هذا مَثَلٌ للقرآن، والأودية مَثَلٌ للقلوب، يريد: ينزل القرآن، فتحمل منه القلوب على قدر اليقين والعقل والشك والجهل. فهذا أحد المَثَلَين. والمثل الآخر: قوله عز وجل: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ}.
قرأ حمزة والكسائي وحفص {يُوقِدُونَ} بالياء لقوله تعالى: {مَا يَنْفَعُ النَّاسَ} ولا مخاطبة هاهنا. وقرأ الآخرون بالتاء {ومما توقدون} أي: ومن الذي توقدون عليه في النار. والإيقاد: جعل النار تحت الشيء ليذوب.
{ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ} أي: لطلب زينة، وأراد الذهبَ والفضةَ؛ لأن الحلية تُطلبُ منهما، {أَوْ مَتَاعٍ} أي: طلب متاع وهو ما ينتفع به، وذلك مثل الحديد، والنحاس، والرصاص، والصُّفْرـ تذاب فيتخذ منها الأواني وغيرها مما ينتفع بها، {زَبَدٌ مِثْلُهُ}.
{كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ} أي: إذا أُذيبَ فله أيضاً زبد مثل زبد الماء، فالباقي الصافي من هذه الجواهر مثل الحق، والزبد الذي لا ينتفع به مثل الباطل.
{فَأَمَّا الزَّبَدُ} الذي علا السيل والفِلِزّ، {فَيَذْهَبُ جُفَاءً} أي: ضائعا باطلا والجفاء ما رمى به الوادي من الزَّبَد، والقِدْرُ إلى جنباته. يقال: جفا الوادي وأَجْفَأ: إذا ألقى غُثاءهُ، وأَجْفَأَتِ القِدْر وجَفَأَت: إذا غَلت وألقَت زبدها، فإذا سكنت لم يبق فيها شيء.
معناه: إن الباطل وإن علا في وقتٍ فإنه يضمَحِلُّ. وقيل: {جُفَاءً} أي: متفرقا. يقال: جفأتِ الريحُ الغيَم إذا فَرَّقَتْه وذهبَت به.
{وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ} يعني: الماء والفلز من الذهب والفضة والصفر والنحاس، {فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ} أي: يبقى ولا يذهب.
{كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ} جعل الله تعالى هذا مثلا للحق والباطل، أي: أَنَّ الباطل كالزبد يذهب ويضيع، والحقّ كالماء والفلز يبقى في القلوب. وقيل: هذا تسلية للمؤمنين، يعني: أن أمر المشركين كالزبد يُرى في الصورة شيئاً وليس له حقيقة، وأمرُ المؤمنين كالماءِ المستقرِّ في مكانه له البقاءُ والثبات.

.تفسير الآيات (18- 19):

{لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ (19)}
قوله تعالى: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لربهم} أجابوا لِرَبِّهِمُ فأطاعوه، {الْحُسْنَى} الجنة، {وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ} أي: لبذلوا ذلك يوم القيامة افتداءً من النار، {أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ} قال إبراهيم النخعي: سُوء الحساب: أن يحاسبَ الرجلُ بذنبه كلّه لا يغفر له من شيء {وَمَأْوَاهُمْ} في الآخرة {جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} الفِراش، أي: بئس ما مُهِِد لهم.
قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} فيؤمن به ويعمل بما فيه، {كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} عنه لا يعلمُه ولا يعملُ به. قيل: نزلت في حمزة وأبي جهل. وقيل: في عمار وأبي جهل.
فالأول حمزة أو عمار، والثاني أبو جهل، وهو الأعمى. أي: لا يستوي مَنْ يبصر الحق ويتبعُه ومَنْ لا يُبصرُه ولا يتبعُهُ.
{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ} يتعظ، {أُولُو الألْبَابِ} ذوو العقول.

.تفسير الآيات (20- 21):

{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)}
{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} بما أمرهم الله تعالى به وفَرَضَهُ عليهم فلا يخُالفونه، {وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} وقيل: أراد العهدَ الذي أخذه على ذرية آدم عليه السلام حين أخرجهم من صُلبه.
{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} قيل: أراد به الإيمان بجميع الكتب والرسل ولا يفرقون بينهما. والأكثرون على أنه أراد به صلة الرحم.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرّياني، حدثنا حميد بن زنجويه، حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أبي سلمة أنَّ عبد الرحمن بن عوف عادَ أبا الدرداء فقال- يعني عبد الرحمن-: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فيما يحكي عن ربه عز وجل: «أنا الله، وأنا الرحمن، وهي الرَّحِمُ، شققت لها من اسمي اسما، فمن وصلها وصَلْتُه ومن قطعها بَتَتُّه».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أنبأنا أبو منصور السمعاني، أخبرنا أبو جعفر الرَّياني، حدثني حميد بن زنجويه، حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثني سليمان بن بلال عن معاوية بن أبي مُزَرِّد، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خلق الله الخلق فلما فرغ منه قامت الرَّحِمُ فأخذت بِِحَقْوَيِ الرحمن، فقال: مَهْ، قالت: هذا مقامُ العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصِلَ مَنْ وصلك وأقطعَ مَنْ قطعكِ؟ قالت: بلى يا ربِّ، قال: فذلك لك»، ثم قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد- 22].
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أنبأنا أبو منصور السمعاني، أنبأنا أبو جعفر الرَّياني، حدثنا حميد بن زنجوَيه، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا كثير بن عبد الله اليشكري، حدثنا الحسن بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثةٌ تحت العرشِ يوم القيامة: القرآنُ يُحَاجُّ العباد، له ظهرٌ وبطنٌ، والأمانةُ، والرَّحِمُ تنادي أَلا مَنْ وصَلني وصله الله ومَنْ قطعني قطَعه الله».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أنبأنا أبو منصور السمعاني، أخبرنا أبو جعفر الرَّياني، أخبرنا حميد بن زنجويه، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث بن سعد، حدثني عُقيل عن ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحبَّ أن يُبْسَطَ له في رزقه ويُنْسَأَ له في أثره فليصلْ رحمه».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شُريح، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا شعبة، عن عُيينة بن عبد الرحمن قال: سمعت أبي يحدِّث عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما مِنْ ذَنْبٍ أحرى أن يُعَجِّل الله لصاحبه العقُوبَة في الدنيا مع ما يُدَّخرُ له في الآخرة من البغي وقطيعةِ الرّحِمِ».
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسين بن بشرَان، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، أخبرنا أحمد بن منصور الزيادي، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يدخل الجنَّةَ قاطِعٌ».
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي، حدثنا أحمد بن إسحاق الصيدلاني، أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد بن نصر، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، حدثنا عمرو بن عثمان قال سمعت موسى بن طلحة يذكر عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أن أعرابياً عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له فقال: أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال صلى الله عليه وسلم: «تعبد الله، لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور السمعاني، حدثنا أبو جعفر الرياني، حدثنا حميد بن زنجويه حدثنا أبو يعلى وأبو نُعيم قالا حدثنا قطر، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس الواصلُ بالمكافئ ولكنَّ الواصلَ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُه وَصَلَها» رواه محمد بن إسماعيل عن محمد بن كثير عن سفيان عن قطر وقال: إذا قطعت رحمه وصلها.
قوله تعالى: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}.